LEADER Admin
عدد الرسائل : 363 العمر : 39 الموقع : www.alfatimi.yoo7.com المزاج : جيد اعلام الدول : المهنة : تاريخ التسجيل : 18/07/2008
| موضوع: الفسيفساء السوري وأثره في تطورالزخرف الإثنين يوليو 28, 2008 1:06 am | |
|
الفسيفساء فن عريق في بلادنا، وإن ماتحويه متاحفنا ومستودعاتها من هذا المخزون التراثي يبرز مدى أهميته ، وعلى وجه التحديد، أهمية دوره في تطور مفاهيم الزخرفة الشرقية وإرساء أسسها الجمالية والوظيفية، باعتباره فناً ارتبط منذ القدم ارتباطاً وثيقاً بالعمارة والزخرفة. وقد عرف بتسميات عديدة تختلف باختلاف التقنيات... وقد دلت المعطيات الأثرية على وجود تزيينات فسيفسائية ظهرت بأشكال مختلفة في بلاد الرافدين وفي الحضارة السومرية وأوغاريت وتعود إلى الألف الرابع أو الثالث قبل الميلاد، ويحوي متحف دمشق الوطني نماذج من هذه التزيينات.ويعود إلى اليونانيين ظهور الفسيفساء ذي المكعبات الحجرية وذلك في القرن الثالث قبل الميلاد ، وربما ظهر في الإسكندرية في عصر انتشار الفنون الهلنستية بعد فتوحات الإسكندر المقدوني في الشرق.
وبعد أن تبنى الرومان فنون اليونانيين أصبح الفسيفساء بشكل خاص أحد أهم فنونهم المرتبطة بالعمارة ، وقد استخدم على نطاق واسع بلوحات تصويرية مستوحاة من نماذج الفريسك المنتشرة في مدينة بومبي في إيطاليا، وإن أحد أشهر الأمثلة على ذلك هو معركة إيسوس والتي تمثل الصراع بين الاسكندر المقدوني وداريوس ملك الفرس والمحفوظة في متحف نابولي في إيطاليا.
أما الموضوعات المعالجة فهي مأخوذة غالبً من الأساطير الكلاسيكية، ومن المسرح والسيرك والصيد والحياة الزراعية؛ وقد شاعت تلك النماذج في جميع المقاطعات الرومانية.
نتعرف من خلال الأرضيات الفسيفسائية، الى الوجوه المتعددة للحياة اليومية الرومانية، واستخدامه وتنظيمه في المنازل الخاصة والأمكنة العامة وفي القصور والحمامات يبرز قيمته المعمارية وخصائصه الوظيفية إلى جانب قيمته الجمالية.
أما في سورية فقد تطورت أساليب معالجة الفسيفساء وذلك بتأثير النهضة المعمارية التي ازدهرت في القرون المسيحية الأولى واستمرت حتى العصر الأموي، ونتعرف من خلال الأرضيات الفسيفسائية المحفوظة في متاحفنا الى شتى هذه الأساليب. وقد كان فرش الأرضيات بالفسيفساء يدخل ضمن البرنامج الزخرفي للأبنية الدنيوية والدينية على السواء. وقد عرفت به مدارس متعددة مثل مدرسة أفاميا التي تميزت بالفكر الأفلاطوني المحدث . وضمن هذا الإطار ، تطورت الأرضية المعروفة باسم « الأمبليما » emblema ـ والكلمة من أصل يوناني وتعني اللوحة أو الصورة ـ وهذا الاتجاه موروث من التقاليد الهلنستية ، وفيه تتألف الأرضية من صورة « أمبليما » والتي تشغل القسم الأوسط من الأرضية ويحيط بها إطار زخرفي مكون من عناصر هندسية أو نباتية محورة . وقد انتشرت في أنطاكيا وأفاميا وشهبا، وظهرت فيها، إلى جانب الموروث الهيليني والروماني، التأثيرات المحلية التي انعكست فيها أساليب الفنان السوري القديم وطرقه في التعبير عن فلسفته ومعتقداته. ويحوي متحف أفاميا على الكثير من هذه النماذج المعالجة بهذه الطريقة. وكذلك الأمر في شهبا التي عرفت تطوراً عمرانياًَ تحت حكم الإمبراطور فيليب العربي ، وإلى هذا النسيج العمراني ، تنتمي تلك الأرضيات الفسيفسائية الرائعة وأقيم عليها حالياً متحف شهبا.
إلى جانب القيمة الجمالية التي تتمتع بها تلك الأرضيات، فهي تعتبر وثائق تاريخية مهمة تشهد على الازدهار العمراني الذي تميز بالفخامة والعظمة في ذلك العصر.
وفي نهاية القرن الرابع للميلاد ومع انتشار الكنائس شهد فن الفسيفساء مرحلة عبور إلى فن جديد ، فظهرت في سورية الفسيفساء البيزنطية الأولى. وبدأ الديكور الزخرفي الهندسي يسيطر على الموضوعات الأسطورية وينتشر حتى في الأماكن الدنيوية، وبدأ التخلي عن مفاهيم المنظور والتحجيم في الأشكال البشرية والحيوانية، وأصبحت العناصر النباتية والحيوانية مختزلة ومحورة ومعالجة كعناصر تزيينية خالصة.. وبهذا ظهر نموذج السجادة الشرقية حيث تطور فيها التزيين الهندسي وقد تعددت أشكال عناصره مثل المضلعات والصلبان والمربعات والشرائط المجدولة.
وقد لعب المخطط المعماري للبازيليك دوراً في ابتكار نماذج منوعة من السجاجيد، تختلف أشكالها وأحجامها بحسب الأمكنة والفراغات. فهناك السجادة الطولانية الكبيرة للأروقة الجانبية وهناك السجادة الصغيرة المتوضعة في المساحة الفاصلة مابين الأعمدة.. ونشير في هذا الصدد إلى اللوحة المحفوظة في حديقة متحف دمشق والمعروضة على الجدار الخلفي للمتحف المطل على الحديقة والتي تمثل الرواق الجنوبي من بازيليك مكتشفة في منطقة حورتة التابعة إلى محافظة حماة.
وبهذا نجد أن عمارة الكنائس ساهمت في تطوير بعض الظواهر الفنية مثل التكوينات الزخرفية التي تتميز بقابليتها للامتداد نحو اللانهائي لتغطي بذلك مساحات واسعة. وقد انتشرت هذه التكوينات الزخرفية في القرن الخامس والسادس الميلادي. ويحوي متحف معرة النعمان نماذج كثيرة من الأرضيات المزخرفة بهذه الطريقة، والتي نجد فيها استخدام شبكات من الدوائر المتماسة والمتجاورة أو شبكات من المعينات المتقاطعة والمضلعات.
ومع ازدهارالفنون المسيحية بدأ الفسيفساء ينتقل من زخرفة الأرضيات إلى زخرفة الجدران والحنايا والقباب ليؤدي بذلك دوراً وظيفياً. وقد تعمقت العلاقة بين العمارة والزخرفة والوظيفة الطقسية بوجود القبة المركزية في الكنيسة والتي تمثل العالم السماوي ،وبهذا ساهم الشرق في إنضاج نظام لاهوتي سيطر على تكوين قاعات العبادة وعلى برنامج زخرفتها. وتغطية القباب والحنيات والمساحات الجدارية بالفسيفساء التصويري واندماجه في السطوح قد ساهم إلى جانب العمارة في تجسيد مفاهيم الشرق الروحانية.
وقد انعكس تأثير الإطار المعماري أيضا" على تقنيات الفسيفساء فانتشر استخدام الأحجار الزجاجية الغنية بالألوان وقد أحدثت المكعبات الذهبية ثورة تقنية وجمالية عكست مفاهيم صوفية تتعلق باللون والإضاءة وأصبحا من العناصر الرئيسة في الفسيفساء البيزنطي. وقد عرف هذا الفن ازدهاراً وتجدداً في العصر الأموي وتمثل فسيفساءات الجامع الأموي ( 507 ـ 517 م) بدمشق أروع الشواهد على هذا الفن وإظهاره بحلة جديدة حيث أتت هذه الزخارف الفسيفسائية منسجمة مع قدسية البناء. وإلى جانب أهمية الفسيفساء كعنصر إكسائي قادر على تغطية مساحات واسعة من الجدران والحنايا ، فقدعكس من ناحية الموضوعات والتي تمثل صور الطبيعة من أشجار وحدائق وأنهار جارية وعمارات ونوافير عكس مفاهيم الجنة والملكوت السماوي النابعة من الفكر العربي الإسلامي، وقد لعبت الإضاءة دوراً في تجسيد تلك المفاهيم، من خلال الأحجار الزجاجية الملونة، ومن خلال الطريقة التي رصفت بها المكعبات الذهبية المغروسة بشكل مائل نحو الأسفل لكي تعكس بريق ضوئها نحو المشاهد.; وإلى العصر الأموي أيضاً تعود فسيفساء دير العدس الشهيرة والمؤرخة في عام 227 م والمحفوظة في قلعة بصرى، وتصور فيها موضوعات مستوحاة من الحياة الاجتماعية ومن النشاط الريفي الزراعي فنجد مشهداً لقافلة جمال ومشهداً آخر يمثل قطاف العنب. ; إن هذه الشواهد تظهر، إلى جانب أهميتها التاريخية، تظهر إلى أي مدى استطاع الفنان السوري في الماضي وبطاقاته الخلاقة أن يجعل من مادة الفسيفساء تقنية قابلة للتطور والتلاؤم مع الأطر المعمارية.
ونتساءل،ونحن في ظل الواقع الحالي، عن أسباب الركود الذي أصاب هذا الفن في مراحل لانستطيع توثيقها على وجه الدقة ولكنه بالتأكيد توقف عن الازدهار منذ مابعد العصر الأموي إلى الوقت الحاضر، مع العلم أننا نمتلك كل المقومات التي تساعد على نهضة هذا الفن من جديد، وإعطائه بعداً أكاديمياً وعلمياً. لاشك في أن الغرب عرف أيضاً في تاريخه مراحل أصيب فيها هذا الفن بالركود؛ ولكنه في بداية القرن العشرين عاد وتجدد في إطار نهضة شملت جميع الفنون مستفيدة من الموروث الروماني والبيزنطي في إحياء وتجديد هذا الفن. وقد ساهمت هذه النهضة، ومنذ منتصف القرن الماضي، في وضع فن الفسيفساء ضمن إطاره الأكاديمي والعلمي كواحد من الفنون التشكيلية . | |
|