عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المؤرخ الشهير ورائد علم الاجتماع الحديث الذي ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليوم. ولد في تونس عام 1332 وعاش في اقطار ( شمال افريقيا) المختلفة ما يقارب الخمسين عاماً . ثم استقر به الامر بعد ذلك في مصر التي وصل اليها سنة 1384 ، وبقي فيها حتى وفاته عام 1406 .
يعد من كبار العلماء الذين انجتبهم شمال افريقيا، اذ قدم نظرياتكثيرة جديدة في علمي الاجتماع والتاريخ ، بشكل خاص في كتابيه : العبر والمقدمة. وقد عمل في التدريس في بلاد المغرب ، بجامعة القرويين في فاس ،ثم في الجامع الازهر في القاهرة ، والمدرسة الظاهرية، وغيرها من محافل المعرفة التي كثرت في ارجاء العالم الاسلامي المختلفة خلال القرن الثالث عشر نظراً لحض الدين الإسلامي الحنيف للناس على طلب العلم. وقد عمل ابن خلدون في مجال القضاء أكثر من مرة ، وحاول تحقيق العدالة الاجتماعية في الاحكام التي اصدرها. ونحن نقتطف وصف
ه لمعاناته في هذا المجال في كتاب مذكراته التعريف بابن خلدون.
كان ابن خلدون دبلوماسياً حكيماً ايضاً . وقد أُرسل في أكثر من وظيفة دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول : مثلاً ، عينه السلطان محمد بن الاحمر سفيراً له إلى امير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما .. وبعد ذلك بأعوام استعان به اهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم المغولي القاسي تيمورلنك ، وتم اللقاء بينهما . ونحن في الصفحات التالية نقتطف أيضاً وصف ابن خلدون لذلك اللقاء في مذكراته. اذ يصف ما رآه من طباع الطاغية ، ووحشيته في التعامل مع المدنالتي يفتحها ، ويقدم تقييماً متميزاً لكل ما شاهد في رسالة خطه ملك المغرب. الخصال الاسلامية لشخصية ابن خلدون ، اسلوبهالحكيم في التعامل مع تيمور لنك مثلاً، وذكائه وكرمه ، وغيرها من الصفات التي ادت في نهاية المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من نصوص أدب المذكرات العربيةوالعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الإسلامية لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة.