إن مناقشة موضوع "ما يدخل جسم الإنسان عن طيق الجلد فيه مسائل عدة:
المسألة الأولى: الحقنة العلاجية :
ولها نوعان :
أ) الحقنة العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية :
لم أرى خلافاً بين المعاصرين أن الحقنة الجلدية أو العضلية لا تفطر،فذهب إلى ذلك شيخنا عبد العزيز بن باز وشيخنا محمد العثيمين، والشيخ محمد بخيت، والشيخ محمد شلتوت ، ود.فضل عباس، ود.محمد هيتو، ومحمد بشير الشقفة، وهو من قرارات المجمع الفقهي .
الدليل: أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده ،وهذه الإبرة ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، وعلى هذا فينتفي عنها أن تكون في حكم الأكل والشرب .
ب) الحقنة الوريدية المغذية:
وقد اختلف فيها الفقهاء المعاصرون على قولين:
القول الأول: أنها تفطر الصائم، وهو قول الشيخ عبد الرحمن السعدي، وشيخنا عبد العزيز بن باز.
وشيخنا محمد العثيمين، ومحمد بشير الشقفه، وهو من قرارات المجمع الفقهي.
الدليل: أن الإبر المغذية في معنى الأكل والشرب، فإن المتناول لها يستغني بها عن الأكل والشرب .
القول الثاني: أنها لا تفطر ، وهو قول الشيخ محمد بخيت، والشيخ محمد شلتوت، والشيخ سيد سابق.
الدليل: أن مثل هذه الحقنة لا يصل منها شيء إلى الجوف من المنافذ المعتادة أصلاً، وعلى فرض الوصول فإنما تصل من المسام فقط، وما تصل إليه ليس جوفاً، ولا في حكم الجوف.
الجواب: سبق أن علة التفطير ليست وصول الشيء إلى الجوف من المنفذ المعتاد، بل حصول ما يتقوى به الجسم ويتغذى، ونقلت عن شيخ الإسلام ما يوضح هذا أتم توضيح.
الراجح: الأقرب ما عليه جمهور الفقهاء المعاصرين أن الإبرة المغذية تفطر الصائم لقوة أدلتهم وتوافقها مع مقاصد الشارع .
المسألة الثانية: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية:
في داخل الجلد أوعية دموية، فما يوضع على سطح الجلد يمتص عن طريق الشعيرات الدموية إلى الدم، وهو امتصاص بطيء جداً.
وقد سبق أن حقن العلاج حقناً مباشراً في الدم لا يفطر، فمن باب أولى هذه الدهانات والمراهم ونحوها.
بل حكى بعض المعاصرين الإجماع على أنها لا تفطر، وهو من قرارات المجمع الفقهي.
المسألة الثالثة : إدخال القثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين للتصوير أو العلاج أو غير ذلك :
إدخال القثطرة في الشرايين ليس أكلاً، ولا شرباً، ولا في معناهما، ولا يدخل المعدة، فهو أولى بعدم التفطير من الإبر الوريدية، وهذا ما أخذ به المجمع الفقهي.
المسألة الرابعة : منظار البطن أو تنظير البطن :
التعريف به : هو عبارة عن إدخال منظار من خلال فتحة صغيرة في جدار البطن إلى التجويف البطني، والهدف من ذلك إجراء العمليات الجراحية، كاستأصال المرارة، أوالزائدة، أو إجراء التشخيص لبعض الأمراض، أو لسحب البييضات في عملية التلقيح الصناعي (طفل الأنابيب)، أو لأخذ عينات، ونحو ذلك .
وعلم من هذا التعريف أنه لا علاقة له بالمعدة بمعنى أنه لا يصل إلى داخل المعدة.
من المسائل التي تشبه منظار البطن وتحدث عنها المتقدمون من الفقهاء مسألة الجائفة:
تعريف الجائفة: هي الجرح الذي في البطن، يصل إلى الجوف، إذا وضع فيه دواء.
وقد اختلف فيها الفقهاء.
القول الأول: أنها لا تفطر، وهو مذهب مالك، وأبي يوسف، ومحمد، وأبي ثور، وداود، واختاره شيخ الإسلام.
1ـ لأن ما يوضع في الجرح لا يصل لمحل الطعام.
2ـ أن المسلمين كانوا يجرحون في الجهاد وغيره مأمومة وجائفة، فلو كان هذا يفطر لبُين لهم، فلما لم ينه الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطراً.
القول الثاني: ذهب الجمهور إلى أنها تفطر :
1ـ لأن الدواء وصل إلى جوفه باختياره، أشبه الأكل.
2ـ استدلوا بالحديث (( وبالغ بالاستنشاق...)) قالوا فكل ما وصل إلى الجوف بفعله يفطر، سواء، كان في موضع الطعام والغذاء، أو غيره من حشو جوفه.
مناقشة الدليلين: يجاب عن الدليلين بأن الجوف هو المعدة، وقد سبق الكلام في تحديد الجوف بذكر كلام الفقهاء وبيان الراجح.
القول المختار:
الأقرب ـ والله تعالى أعلم ـ هو القول الأول.
بعد هذا الخلاف إذا نظرنا إلى منظار البطن وجدنا أنه لا يصل إلى المعدة، كما صرح بذلك الأطباء، فهو أولى بعدم التفطير من الجائفة، وكل دليل للذين لا يرون التفطير بالجائفة فهو يصلح لعدم التفطير بالمنظار البطني، وعدم التفطير هو ما قرره المجمع الفقهي في دورته العاشرة.
المسألة الخامسة: الغسيل الكلوي.
التعريف به: هناك طريقتان لغسيل الكلى:
الطريقة الأولى: يتم غسيل الكلى بواسطة آلة تسمى (الكلية الصناعية)، حيث يتم سحب الدم إلى هذا الجهاز، ويقوم الجهاز بتصفية الدم من المواد الضارة، ثم يعيد الدم إلى الجسم عن طريق الوريد، وقد يحتاج إلى سوائل مغذية تعطى عن طريق الوريد.
الطريقة الثانية: تتم عن طريق الغشاء البريتواني في البطن، حيث يدخل أنبوب عبر فتحة صغيرة في جدار البطن فوق السرة، ثم يدخل عادة ليتران من السوائل التي تحتوي على نسبة عالية من سكر الغلوكوز إلى داخل جوف البطن، وتبقى في جوف البطن لفترة، ثم تسحب مرة أخرى، وتكرر هذه العملية عدة مراتٍ في اليوم الواحد، ويتم أثناء ذلك تبادل الشوارد والسكر والأملاح الموجودة في الدم عن طريق البريتوان، ومن الثابت علمياً أن كمية السكر الغلوكوز الموجود في هذه السوائل تدخل إلى دم الصائم عن طريق الغشاء البريتواني.
حكمه:
اختلف المعاصرون في غسيل الكلى على قولين:
القول الأول: أنه مفطر، قال به شيخنا عبد العزيز بن باز، ود.وهبة الزحيلي.
الدليل: أن غسيل الكلى يزود الجسم بالدم النقي، وقد يزود مع ذلك بمادة أخرى مغذية، وهو مفطر آخر، فاجتمع له مفطران.
القول الثاني: أنه لا يفطر وهو قول د. محمد الخياط .
الدليل: أن غسيل الكلى يلحق بالحقن فليس أكلاً ولا شرباً إنما هو حقن لسوائل في صفاق البطن ثم استخراجه بعد مدة أو سحب للدم ثم إعادته بعد تنقيته عن طريق جهاز الغسيل الكلوي .
المناقشة: أن غسيل الكلى قد يكون معه مواد مغذية، ولا يتوقف الأمر على تنقية الدم.
القول المختار: الذي يظهر أن غسيل الكلى فيه تفصيل، فإذا صاحبه تزويد للجسم بمواد مغذية سكرية أو غيرها فلا إشكال أنه يفطر؛ لأن هذه المواد بمعنى الأكل والشرب، فالجسم يتغذى بها ويتقوى.
أما إذا لم يكن معه مواد مغذية فإنه لم يظهر لي ما يوجب التفطير به.
أما مجرد تنقيته للدم من المواد الضارة فليس في هذا ما يوجب الفطر به، إذ تنقية الدم ليس في معنى شيء من المفطرات المنصوص عليها.
............والله أعلم.............
ما يدخل إلى الجسم عن طريق المهبل
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الغسول المهبلي (دوش مهبلي).
يعرف حكم هذه المسألة بمعرفة حكم دخول شيء للمهبل عند الفقهاء المتقدمين،وقد اختلفوا على قولين:
القول الأول: ذهب المالكية، والحنابلة، إلى أن المرأة إذا قطرت في قبلها مائعاً لا تفطر بذلك.
الأدلة :
1ـ أن فرج المرأة ليس متصلاً بالجوف.
2ـ أن مسلك الذكر من فرج المرأة في حكم الظاهر.
القول الثاني: ذهب الأحناف، والشافعية، إلى أن دخول المائع إلى قبل المرأة يفطر.
الدليل: أن لمثانتها منفذاً يصل إلى الجوف، كالإقطار في الأذن.
القول المختار: بنى الأحناف والشافعية قولهم بالتفطير على وصول المائع إلى الجوف عن طريق قبل المرأة، كما علل به في بدائع الصنائع، وهو أمر مخالف لما ثبت في الطب الحديث، حيث دل على أنه لا منفذ بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين جوفها، ولذلك فليس هناك في الحقيقة ما يوجب التفطير، حتى على مذهب الأحناف والشافعية، إنطلاقاً من تعليلهم.
فالقول الأقرب هو عدم التفطير بالغسول المهبلي مطلقاً، وليس في النصوص ما يدل على التفطير، كل ما جاء في النصوص فيما يتعلق بالمهبل من المفطرات هو الجماع، ولا علاقة له لا شرعاً، ولا لغةً، ولا عرفاً بالغسول المهبلي.
المسألة الثانية: وتشمل ما يلي:
التحاميل ( اللبوس)، المنظار المهبلي، أصبع الفحص الطبي.
والكلام فيها كالكلام في المسألة السابقة تماماً، حكماً وتعليلاً.
سادسا :
ما يدخل إلى الجسم عن طريق فتحة الشرج
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الحقنة الشرجية.
وقد بحث الفقهاء المتقدمون الحقنة الشرجية واختلفوا فيها على قولين:
القول الأول: ذهب الأئمة الأربعة إلى أن الحقنة الشرجية تفطر الصائم.
الأدلة:
1ـ لأنه يصل إلى الجوف.
2ـ ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل.
3ـ القياس على الاستعاط فإذا أبطل الصيام بما يصل إلى الدماغ فما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى.
القول الثاني: أن الحقنة الشرجية لا تفطر، وهو قول لبعض المالكية، ومذهب الظاهرية، واختاره شيخ الإسلام .
الدليل:
1ـ أن الحقنة لا تغذي بوجه من الوجوه، بل تستفرغ ما في البدن، كما لو شم شيئاً من المسهلات، أو فزع فزعاً أوجب استطلاقه.
2ـ أن هذا المائع لا يصل إلى المعدة، ولا إلى موضع يتصرف منه ما يغذي الجسم.
واختلف المعاصرون في هذه المسألة اختلافاً مبنياً على الخلاف السابق، فمنهم من رأى أنها تفطر، ومنهم من رأى عدم التفطير فيها.
القول المختار: إذا نظرنا إلى فتحة الشرج ( الدبر ) فسنجد أنها متصلة بالمستقيم ، والمستقيم متصل بالقولون (الأمعاء الغليظة)، وامتصاص الغذاء يتم معظمه في الأمعاء الدقيقة، وقد يمتص في الأمعاء الغليظة الماء وقليل من الأملاح والغلوكوز .
فإذا ثبت طبياً أن الغليظة تمتص الماء وغيره، فإنه إذا حقنت الأمعاء بمواد غذائية، أو ماء، يمكن أن يمتص، فإن الحقنة هنا تكون مفطرة؛ لأن هذا في الحقيقة بمعنى الأكل والشرب، إذ خلاصة الأكل والشرب هو ما يمتص في الأمعاء.
أما إذا حقنت الأمعاء بدواء ليس فيه غذاء، ولا ماء، فليس هناك ما يدل على التفطير. والأصل صحة الصيام حتى يقوم دليل على إفساد الصوم، وليس هنا ما يدل على الإفساد.
واختار هذا التفصيل من المعاصرين شيخنا محمد العثيمين، ود. فضل حسن عباس.
ومن هنا نعلم أن أصحاب القول الثاني لو علموا أن الحقنة الشرجية يمكن أن تغذي، بأن يمتص الأمعاء منها الماء، أو الغذاء، وينتفع به الجسم انتفاعه بالطعام والشراب، لذهبوا ـ فيما أظن ـ إلى القول بالتفطير.
المسألة الثانية:التحاميل (اللبوس) :
تستعمل التحاميل لعدة أغراض طبية، كتخفيف آلام البواسير، أو خفض درجة الحرارة، أو غيرها، وحكمها عند الفقهاء كحكم المسألة السابقة، إلا أن المالكية لا يرون أنها تفطر، فقد قال الزرقاني:
"والفتائل لا تفطر ولو كان عليها دهن".
وقد اختلف المعاصرون فيها كما يلي:
القول الأول: أنها لا تفطر، قال به شيخنا محمد بن عثيمين، والشيخ محمود شلتوت ، ود.محمد الألفي.
الأدلة :
1ـ أن التحاميل تحتوي على مادة دوائية، وليس فيها سوائل.
2ـ أنها ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرم علينا الأكل والشرب.
3ـ أن التحاميل ليست بأكل في صورته، ولا معناه، ولا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب.
القول الثاني: أنها مفطرة، وقال به الشيخ حسن أيوب، وعبد الحميد طهماز، ومحي الدين مستو.
الأدلة :
1ـ استدلوا بما ذكره الفقهاء، من أن كل ما يدخل الجوف فهو مفطر، واعتبروا الأمعاء من الجوف.
المناقشة: يجاب عن هذا الدليل بما سبق أن الجوف هو المعدة فقط، أما الأمعاء فلا يفطر ما دخل فيه، إلا إذا كان مما يمكن امتصاصه من الغذاء والماء، والتحاميل ليست كذلك.
2ـ أن فيها صلاح بدنه .
المناقشة: أن الله لم يجعل ما فيه صلاح البدن مفسداً للصوم، إنما ذكر الطعام والشراب فقط، وإصلاح البدن يحصل بأشياء كثيرة، وهي مع ذلك غير مفطرة.
القول المختار: الذي يظهر أنها لا تفطر، لعدم وجود دليل شرعي يعتمد عليه في إفساد صيام مستعمل التحاميل، وأدلة أصحاب القول الأول وجيهة فيما ظهر لي والله أعلم.
المسألة الثالثة: المنظار الشرجي وأصبع الفحص الطبي.
قد يدخل الطبيب المنظار من فتحة الشرج، ليكشف على الأمعاء أو غيرها.
وقد سبق الكلام على منظار المعدة، وما ذكره الفقهاء فيه، وهو ينطبق على المنظار الشرجي، وأصبع الفحص الطبي.
إلا أن القول بعدم التفطير في المنظار الشرجي، وأصبع الفحص الطبي، أولى وأقوى، لما سبق تقريره من أن الجوف هو المعدة، أو ما يوصل إليها، وليس كل تجويف في البدن يعتبر جوفاً، فعلى هذا يكون المنظار الشرجي والإصبع أبعد أن يفطر من منظار المعدة.
سابعا:
ما يدخل إلى الجسم عن طريق مجرى البول
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة.
بحث الفقهاء المتقدمون مسألة: إذا أدخل إحليله مائعاً أو دهناً، واختلفوا فيها على قولين:
القول الأول: أن التقطير في الإحليل لا يفطر، وهو مذهب الأحناف، والمالكية، والحنابلة
الدليل : لأنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ.
القول الثاني: أنه يفطر، قال به أبو يوسف وقيده بوصوله إلى المثانة، وهو الصحيح عند الشافعية.
الدليل :
1ـ أن بين المثانة والجوف منفذاً.
المناقشة : علم التشريح الحديث وضح أنه ليس بين المثانة والمعدة منفذ .
2ـ لأنه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه، فتعلق بالواصل إليه كالفم.
المناقشة : قياسه على الفم قياس مع الفارق، فإن ما يوضع في الفم يصل إلى المعدة ويغذي ، بخلاف ما يوضع في مسالك البول.
القول المختار: ظهر جلياً من خلال علم التشريح الحديث أنه لا علاقة مطلقاً بين مسالك البول والجهاز الهضمي، وأن الجسم لا يمكن أن يتغذى مطلقاً بما يدخل إلى مسالك البول.
بناءً على ذلك فإن قول جمهور الفقهاء في هذه المسألة هو الصواب إن شاء الله.
وعليه فإن إدخال هذه الوسائل المعاصرة في الإحليل لا يفسد الصيام، لعدم وجود المقتضي لذلك، والأصل صحة الصيام.
...........والله أعــــلم............
*************************************