شروط عمل المرأة
قد تُلجئ الضّرورة والحاجة المرأة للعمل خارج بيتها، وقد يحتاج المجتمع لخروج المرأة للعمل، فعنئذ ينبغي لمن تؤمن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد S نبيًّا ورسولًا أن تتقيَّدَ بأحكام الشَّرع حتَّى يكون خروجها للعمل خُرُوجًا شرعيًّا يكافئها الله عليه بالثَّواب في الآخرة مع ما تعطى في الدُّنيا{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}[آل عمران195].
وهذه الشروط تتمثل فيما يلي(1):
أوَّلًا: أنْ يكُونَ العملُ مُباحًا
إذ لابد في العمل الذي يعمله الإنسان أن لا يخرج عن نطاق المباح؛ ليتعداه إلى الحرام حتى لا يلحقه الإثم والحرج الشرعي.
وقد يصل الأمر ببعض الأعمال خارج المنزل إلى الوُجُوب العينيِّ أو الوجُوب الكفائيِّ، ففي حالة حاجة الأُمَّة لامرأة معينة يكون الوجوب العيني، وفي حالة حاجة الأمة لفئة معينة من النساء، فيكون الوجوب الكفائي، ويبقى حكم الخروج للعمل المباح في نطاق المباح كالتَّعليم والطبِّ والتَّمريض والحسبة في وسط النِّساء.
فكلُّ ما تقدِّمُ من أعمال جائز بدليل الكتاب والسنة والآثار والمعقول مع نصوص الأئمة الفقهاء.
ثانيًا: أنْ يكُونَ الخُرُوجُ لحَاجَةِ شَخْصِيَّة أو حاجة المجْتَمَع
فقد أمر الله تبارك وتعالى نساء النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالقرار في البيوت، ونساء الأُمَّة تبعٌ لَهُنَّ في ذلك.
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب33]، وهذه الآية جاءت ضمن سلسلة آداب أدَّبَ الله-تبارك وتعالى-بِهَا أمَّهات المؤمنين الطَّاهرات العفيفات زوجات النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونساء الأُمَّة تبعٌ لهن في تلك الآداب، قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية التي قبلها مباشرة: "هذه آداب أمر الله-تعالى-بِهَا نساء النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبعٌ لهنَّ في ذلك".
وعليه فقد أمرت هذه الآية نساء النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين عامة بالقرار في البيوت وعدم الخروج من غير ما حاجة.
قال الإمام ابن كثير: وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي. الزَّمنى فلا تخرجن لغير حاجة.
وقد نصَّ الفقهاء على أنَّ للمرأة الخروج من بيتها لحاجة كما أنَّهُم اعتبروا خروجها بدون إذن زوجها لا يُعَدُّ نشوزًا مادام الزوج لا يكفيها(2).
وقد استدلَّ الفقهاء على جواز خروج المرأة؛ لحاجتها بدلالة السنة والمعقول.
فعن عائشة رضي الله عنها عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال(3): «...أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ».
وقد أفاد هذا الحديث أنَّ للمرأة الخروج من بيتها من أجل حاجتها، وأنه لا مانع من أن تخرج المرأة لحاجة فهذا مما أذن الشرع فيه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال(4): «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْنَعْهَا».
وهذا الحديث يفيد عدم منع المرأة إذا استأذنت لحاجتها سواء كان خروجها للمسجد أو غيره.
جاء في إرشاد الساري: "ليس في الحديث التَّقييد بالمسجد، إنما هو مطلق يشمل الإذن لهن في الخروج إلى مواضع العبادة أو غيرها".
وجاء في عمدة القاري: "هذا الحديث معناه العموم فيما تخرج له المرأة سواء في ذلك المساجد أو غيرها، وفي معنى هذا الإذن في الخروج إلى العيد وزيارة قبر ميِّتٍ لها، وإذا كان حقًّا على الأزواج أن يأذنوا فيما هو مطلق لهن الخروج فيه، فالأذن لهن فيما هو فرض عليهن أو يندب الخروج إليه أَوْلَى، كخروجهنَّ لأداء الشهادة والحج وغير ذلك من الفرائض، أو لزيارة آبائهن وأمهاتِهِنَّ وذوي محارمهن".
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم قال (5): «يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ».
وهذا الحديث يدل على جواز خروج المرأة لحضور عُرْسِ امرأة أخرى وزفافها إلى زوجها، فإن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد أقرَّ عائشة رضي الله عنها ومن كان معها على حضور زفاف تلك المرأة إلى زوجها.
ومن المعقول؛ فإن عدم جواز خروج النساء لحاجتهن فيه مشقة عليهنَّ، والقاعدة القرآنية واضحة "وماجعل عليكم في الدِّين من حَرَجٍ".
والحاجة قد تكون شخصية، وقد تكون حاجة مجتمع، وفي كلا الحالتين يجوز الخروج للمرأة.
فقد تكون المرأة غير محتاجة للخروج للعمل لكن المجتمع بحاجة إلى خروجها لتعليم من يحتجن إلى تعليمها أو مداواة من يحتجن إلى مداواتِهَا أو نحو ذلك من حاجات المجتمع، فإن للمرأة الخروج لذلك كله.
وقد ذكر ابن القيم(1): إ"نه يجوز لولي الأمر حمل أرباب الحرف والصناعات على العمل بأجر المثل إذا امتنعوا عن العمل، وكان في الناس حاجة إلى أعمالهم وصناعاتِهِم وحرفهم".
ثالثًا: إذن الزَّوج أو الوَلِيِّ
لابد للزوجة من إذن زوجها لخروجها إلى العمل المباح؛ لأنه مسئول عنها أمام الله تعالى، وكذلك فإن غير المتزوجة لابد لها من إذن وليها؛ لأنه راعٍ ومسئول عنها أمام الله تعالى.
وقد نصَّ الإمام الشافعيُّ على أن المرأة إذا استطاعت حج الفريضة فإنَّ لوليها أو زوجها منعها منه مالم تهل.
قال الشافعى(2): "وإذا بلغت المرأة قادرة بنفسها ومالها على الحج فأراد وليها منعها من الحج أو أراده زوجها منعها منه ما لم تهل بالحج".
فإذا كان هذا في حج الفريضة، فكيف بالعمل المباح؟
ويستدل الفقهاء على اشتراط إذن الزوج أو الولي بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم6].
فقد أوجب الله-تبارك وتعالى-على المؤمنين حماية أنفسهم وأهليهم من نار جهنم، ولذا كان الزوج أو الولي قيمًا على من ولاه الله أمرهم وعليه حمايتهم من النار وعليهم طاعته، وقد قال قتادة في تفسير هذه الآية: "تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها وزجرتْهُم عنها".
ومن السنة ما ورد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله S قال(3): «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
في هذا الحديث بين النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنَّ كُلَّ راع ٍ فإنَّ الله سيسأله عما استرعاه هل حفظ أم ضَّيع؟ وبالتالي فإن هذا الراعي له حقوق وعليه واجبات، فمن حقوقه أن يُطَاعَ فيما يأمر به في غير معصية وألا يصدر الجميع إلا عن رأيه.
وعليه فلو أرادت المرأة العمل عليها أن تستأذن زوجها أو وليها؛ لأنه مسئول أمام الله سبحانه وتعالى.
رابعًا: عدم التفريط في حق الزوج أو الأولاد
يَجِبُ ألا يكونَ عملُ المرأةِ صارفًا لَهَا عن مُهَمَّتِهَا الأصليَّة؛ ومهمَّتُهَا الأصليَّةُ هى أن تكون زوجة، وأن تكونَ أمًّا، ومن ثَمَّ فالعمل المباحُ للجُزْءِ قد لا يكُونُ مُبَاحًا للكُلِّ إذا ترتَّبَ عليه تفويتُ مصلَحَةٍ أكْبَرَ، وحاجةُ الأمّةِ الإسلاميَّة إلى الزَّوجة وإلَى الأُمِّ أكثر من حاجتها للعاملات اللاتِي يمكنُ أنْ يحلَّ محلهُنَّ في كثيرٍ من أعمال الرجال، خاصَّة في بلادنا وفِي أوقات تنتشِرُ فيها البطالة بين الرِّجَال.
وقد اشترط الفقهاء لخروج المرأة للعمل المباح ألا يكون فيه تفريط فى حق زوجها وأولادها، وقد استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (4): «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ».
وقد دلَّ هذا الحديث على وجود حقوق على المسلم تجاه نفسه وأهله، فعلى المسلم أن يؤدَّيَ هذه الحقوق وإلا كان مفرطًا، وعليه فإن على المرأة إذا خرجت للعمل ألا تفرط في هذا الحق لزوجها وأولادها.
خامسًا: مُلاءَمَةُ العَمَلِ لطَبِيعَةِ المَرْأَةِ
ينبغي في العمل الذي تعمله المرأة أن يكون موافقًا لطبيعتها التي خلقها الله عليها، فإن الله-عَزَّ وجَلَّ-قد اقتضت حكمته أن تختلف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل، وقد جاء الطب الحديث وعلم وظائف الأعضاء؛ ليشير إلى هذه الاختلافات بين الرجل والمرأة حتى إن هذا أصبح مسلمًا به ولا ينكره إلا مكابر.
وعليه فإنه لا ينبغي للمرأة أن تعمل الأعمال التي تختص بالرجال كالتي تحتاج إلى محض القوة العضلية ونحو ذلك.
ولقد كانت المرأة على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلموفي القرون المفضلة تلي أعمال تليق بطبيعتها التي فطرها الله عليها.
فهذه عائشة كانت أفقه الناس وأعلم الناس وكانت تتولى التَّعليم في حياة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.
سادسًا: الالتِزَامُ بِاللبَاسِ الشَّرْعِيِّ
اشترط الفقهاء على المرأة حين الخروج من بيتها أن تلتزم باللباس الشرعي والذي يغطي جميع بدنِهَا إلا الوجه والكفين ففيهما الخلاف هل هُمَا عورة أمْ لا؟، فالجمهور على أنَّهما ليسا من العورة غير أن المرأة تغطيهما في حال خوف الفتنة، وقول في مذهب الإمام أحمد أنَّهما عورة، ويشترط أيضًا في لباس المرأة المسلمة أن لا يكون لبسها زينة في نفسه، وألا يشبه لباس الرجال، وألا يشبه لباس الكافرات، وأن يكون غليظًا لا يشف، وأن يكون واسعًا لا يصف.
وللحديث عن لباس المرأة المسلمة بحث مستقل فليرجع إليه(1).
سابعًا: عَدَمُ مَسِّ الطِّيبِ وَهُوَ العطْرُ
يُشْْتَرطُ لِخُروج المرأة من بيتها للعمل إلى العمل المباح ألا تَمَسَّ طيبًا ولا تصيب بخورًا.
وقد نصَّ السادة الفقهاء على هذا الشرط عند حديثهم عن خروج المرأة من بيتها.
جاء في حاشية الدُّسُوقي(2): "أمَّا النساء إذا خرجن... فلا يَتَطَيَّبن ولا يتزينَّ؛ لخوف الافتتان بِهِنَّ".
وجاء في المجموع(3): "إذا أرادت المرأة حضور المسجد كره لها أن تمسَّ طيبًا".
وجاء في المغني(4): "وإنَّما يستحبُّ لَهُنَّ الخروج -يقصد خروج النِّساء إلى مُصَلَّى العيد- غير مُتطيِّبات".
وقد استدلَّ الفقهاء على عدم جواز مسِّ المرأة للطِّيب إذا أرادت الخروج من بيتها بما يلي:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (5): «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ».
وفى رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ فَقَالَ: يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ جِئْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ Sيَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنْ الْجَنَابَةِ».
وقد أفاد هذا الحديثُ أنه لا يجوز للمرأة أن تضع الطّيب أو تُصيب البخُور وأنه إن فعلت هذا فهي عَاصِيَةٌ حتَّى وإن كانت ذاهبةً للمسجد، فإنَّ صلاتَهَا على تلك الحالة غير مقبولة حتَّى ترجع فتغتسل، فكيف بما هو دُون المسجد من سائر حوائج المرأة؟ لا شكَّ أنَّ المنع منه آكد، وتحريم وضع الطيب أو إصابة البخور ثابتة في هذا الحديث بصريح النص.
وروى أبو موسى الأشعريِّ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال(6): «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ».
وفي هذا الحديث يبيِّنُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنه لا ينبغي أن تضعَ الطِّيب ثُمَّ تخرج أمام الرجل، وحذر من ذلك أبلغ تحذير حيثُ وصفَهَا بأنَّها زانيةٌ حيث أنَّها كانت سببًا؛ لجعلهِمْ يلتفتون إليها ويقعُونَ في زنا النَّظر، وأُضِيف الزِّنا إليها؛ لأنَّها كانت دافعًا؛ لوقُوع من وقع منهم في زنا النَّظر، ولبيان شدة تحريم خروج المرأة من بيتها أمام الرجل حال كونِهَا مُتعطِّرةً.
ثبتَ عن عبد الله بنِ عُمَرَ أنَّ رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال(1):«لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وليخرجن وهن تفلات».
وهذا الحديث يدلُّ على منعِ المرأة منْ كُلِّ ما يكون سببًا؛ لتحريك الشَّهوة بالطِّيب ونحوه، وإذا كان المسجدُ الذي فيه العبادة والطَّاعة تمنعُ المرأة من التَّطيُّبِ إذا أرادت الخروج له، فغيره من باب أَوْلَى.
ثَامِنًا: الاعتِدَالُ فِي المَشْيِ
قال اللهُ تعَالَى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب33]، فهذه الآية تحذِّرُ من تبرُّج الجاهليَّة الأولى، وأنَّ على نساء المؤمنين تجنُّب هذا التَّبرُّج.
قال قتادة: كانتْ لَهُنَّ مشيةٌ وتكسُّرٌ وتغنجٌ، فنَهَى الله تعالَى عن ذلك.
تَاسِعًا: أمْنُ الفِتْنَةِ
يُشتَرَطُ لخروج المرأة من بيتها للعمل المباح أمنُ الفتنةِ فِي الطَّريق وفي مكان العمل بحيث يؤمن أن تُفْتَنَ أو يُفْتَتَنَ بِهَا، فإذا كان يُخْشَى أنْ يُفتَتَنَ بِهَا الرجالُ الأجَانبُ عنهَا، أو يُخْشَى عليها أنْ تفتنَ هِيَ، فإنَّهُ لا يجوز لَهَا الخروج في تلك الحالة، ولهذا كَرِهَ بعض الفُقَهَاء خروج الشواب من النِّساء؛ لخوف الفتنة.
ويستدلُّ الفقهاءُ على هذا الشَّرط بحديث أُسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله S قَالَ(2):«مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النَّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ».
فقد بين النَّبِي صلى الله عليه وسلم ما يحصل من افتتانِ الرّجَالِ بالنساء، وأنَّ تلك الفتنة هي الأَشَدُّ ضَرَرًا على الرِّجال، فينبغِي على الرِّجال تركُ الافتتان بالنِّساء، وينبغي على النِّساء ألا يُوقِعْنَ أنفسهُنَّ في تلك الفتنة.
كَمَا ينبغِي ألا يكونَ في زيِّها ما يشفُّ أو يصفُ أو يُلفتُ الأنظار، إذا قدَّر لَهَا أن تنتقل لعمل مناسب، مع ملاحظة أنّ الحياءَ يتأثَّرُ، وأنّ الأنظار تألف شيئًا فشيئًا ما قد يكُونُ في البداية مثَار إنْكَارٍ.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم (3): «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا أَرَاهُمَا بَعْدُ نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا».
عَاشِرًا: عَدَمُ الخَلْوَةِ أوْ الاخْتِلاطِ بِالرِّجَالِ
يُشْتَرطُ لخروج المرأة للعمل المباح ألاَّ يكونَ هناك خَلْوَةٌ برجُلٍ أجنبيٍّ عنها، أو مُزَاحِمًا للرجل؛ ممَّا يؤدِّي إلى حُلُولِهَا محلَّ الرجال في أعمالٍ قد يكونُ الرجُلُ فيها أكْفَأَ، لكنَّها توضع في هذه الأماكن إمَّا مُجَامَلةً أو تودُّدًا أو إظهارًا للتَّحضُّرِ والتَّمدُّنِ ومجاراة الغَرْبيين أو المتغَرِّبين! وهو ما يؤدِّي في المجموع إلى انتشار البطالة بين الرجال، وعمل الرجل يفتح به بيتًا ويقيم به أسرة، وعمل المرأة نادرًا ما تفتح به بيتًا أو تقيم به أسرة، إذ ما زال الرجل هو صاحب القَوَامَةِ، وهو المكلَّفُ فالنَّادر لا حكم له.
وقد نصَّ الفقهاءُ على تَحْرِيم ذلكُم الاخْتِلاطِ وأنَّ على المرأة إذا خرجت لعملٍ مُبَاحٍ ألا تزاحم الرِّجَال(4).
واستدلَّ الفقهاءُ على تحريم الخَلْوَةِ بِمَا رَوَاهُ عبدُالله بنُ عبَّاس عنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ(5): «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ».
فقَدْ بَيَّنَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجُوزُ خَلْوَةُ الأجنبيِّ بأجنبيَّةٍ عنه؛ لأنَّ هذا سبيلٌ للشَّيطَانِ، والحديث بصيغة النَّهْي؛ ليدُلَّ على تحريم الخلوة بَيْنَ المرأة وكُلُّ أجنبيٍّ عنها.
كما استدلُّوا على تحريمِ الاختِلاطِ بحديث أُسَيدِ بنِ حُضير أنَّهُ سمع رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو خارجٌ من المسجد؛ وقد اختلط الرِّجالُ معَ النِّساء فِي الطَّريق يقُولُ للنِّساءِ(6): «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ».
ومعنى تحقُقْنَ الطَّريق: أي تَسِرْنَ فِي حقِّ الطَّريق، أي: وَسَطه.
منقول.
[img]
https://2img.net/r/ihimizer/img258/7454/7b5b7083081xh1.gif[/